[size=21]قوله [ كان كصيام الدهر ].
المراد بالدهر هنا العام والسنة الواحدة وذلك أن صيام رمضان يعدل صيام عشرة أشهر وصيام ست من شوال يعدل شهرين فتلك سنة كاملة .
وفي هذا دليل على أنه لابد من استكمال رمضان وأن الست لاتصح إلا بعد استكمال رمضان، فإن قال قائل إذا ولدت المرأة في رمضان يتعذر معها صيام ست من شوال فيقال إن صيام الست من السنن الراتبة المقيدة فإذا كانت لعذر شرعي جاز قضاؤها كسائر الرواتب فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر وهذه راتبة مقيدة بوقت معين فكذلك صيام الست إذا فاتت المرأة بعذر شرعي جاز قضاؤها، فتصوم النفساء رمضان ثم تتبعه ستاً من شوال .
أما إذا تمادت بالقضاء كأن تؤخر مثلاً إلى محرم فحينئذٍ نقول لها فات وقت صيام ست من شوال لأنها لم تبادر بالصيام كما أن المرء إذا تذكر راتبة الظهر بعد العصر ولم يبادر إلى قضائها فات وقت محلها .
ونظير هذا العقيقة إذا فات اليوم السابع لغير عذر فات محلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيدها قال ( كل مولود مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ) حديث صحيح ولو كان اليوم السابع واليوم العاشر سواء لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم تذبح عنه يوم سابعه معنى .
635/ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مامن عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ) متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا إسحاق بن نصر قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح أنهما سمعا النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن الهاد عن سهيل بن أبي صالح به .
قوله [ من صاما يوماً في سبيل الله ] .
اختلف العلماء رحمهم الله في معنى في سبيل الله فقيل المراد في الجهاد وفي غزو الأعداء وهذا اختيار ابن الجوزي لأنه يجمع بين مجاهدة العدو وبين الصيام فالصيام من العبادات البدنية والجهاد من العبادات المالية والبدنية فيجمع بين الأمرين فيحصل على الثواب والأجر الجزيل .
ورجح القرطبي بأن المراد في سبيل الله أي في مرضاة الله فيصوم قاصداً بذلك وجه الله .
وقد استظهر ابن حجر رحمه الله في فتح الباري بأن الحديث أعم من هذا كله فيشمل الجهاد وغيره وهذا هو المعتمد والخبر عام فنحمل الحديث على من صام في الجهاد ومن صام في أي يوم يقصد وجه الله والدار الآخرة ويدخل بذلك على الصحيح صيام رمضان إذا صامه إيماناً واحتساباً باعد الله بكل يوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ، فإن قيل لماذا خص الخريف من بين فصول العام ؟ فالجواب أنه خص لأنه أزكى الفصول وفيه تجنى الثمار ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في فتح الباري والمراد بالخريف هنا العام أي باعد الله وجهه عن النار سبعين عاماً .
في هذا الحديث فوائد :
الفائدة الأولى : فضيلة الصيام على وجه العموم .
الفائدة الثانية : فضيلة الصيام في الجهاد في سبيل الله .
الفائدة الثالثة : فضيلة الجهاد في سبيل الله فإذا اجتمع جهاد وصيام فهذا من أفضل الأعمال .
الفائدة الرابعة : فيه أن الأعمال الصالحة سبب بالبعد عن النيران .
الفائدة الخامسة : فيه أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وهو قول أهل السنة قاطبة إنما ينازع في ذلك أهل الإرجاء .
636/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لايفطر ، ويفطر حتى نقول لايصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها .
والحديث دليل على فضيلة الاستكثار من الصيام، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويسرد الصوم سرداً حتى يقول القائل لايفطر أبداً ولكنه يفطر فإذا أفطر يقول القائل لايصوم أبداً .
فإن قال قائل لماذا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ؟ فالجواب قد يقال كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينشغل فلا يصوم فتتابع أشغاله حتى يقول القائل لا يصوم أبداً فيفرغ بعد ذلك فيسرد الصوم تعويضاً لما فات فيقول القائل لايفطر أبداً ثم ينشغل فيفطر وهكذا .
وربما يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا على وجه التعبد وفي هذا نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) متفق عليه .
وأما قول عائشة ( وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) .
ففي هذا دليل على أنه لايشرع صيام شهر كامل إلا رمضان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ماصام شهراً كاملاً إلا رمضان .
قولها [ وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ]