حديث السبعة (5).. رجلان تحابا في الله (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- التذكير بما سبق، وبيان فضل كون الأصناف السبعة في ظل العرش باختصار.
1- لماذا كانا من السبعة؟
هذا السؤال هو الذي سيعتمد عليه الخطيب في بناء أكثر الخطبة من خلال أجوبة، منها:
- لأنهما يحبان بعضهما بما فيهما من صفات يحبها الله لا لذواتهما، فإن هذا حب الصور.
-
لأنهما يحبان بعضهما لتعاونهما على طاعة الله، فذابت عند ذلك فوارق الدنيا
بينهما، ولذلك فمن لم يذق حلاوة ذلك يعجب منهما، فإنه يرى "الغني مع
الفقير، والكبير مع الصغير، والوزير مع الخفير، والأستاذ مع الحرفي"، قال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاَثٌ مَنْ
كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ
الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ
فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).
- لأن محبتهما باقية في الدنيا والآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67).
-
لأنهما يحبان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر من أنفسهما، لأنه أعظم
الناس اتصافـًا بما يحبه الله، ويحبان المؤمنين ويكرهان الكافرين، قال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْثق عُرَى الإِيمَانِ الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
2- نعمة الحب في الله:
- تلتقي فيها الأرواح قبل الأجساد؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) (متفق عليه).
- تجمع القلوب التي لا تجمعها أموال الدنيا؛ قال -تعالى-: (هُوَ
الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:62-63).
- نعمة الله المنقذة من النار؛ قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ
مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران:103).
- ومن ثمَّ كانت أسمى علاقة، وأقوى من علاقة النسب؛ قال -تعالى-: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ . قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود:45- 46).
- ولذا كان الحسن -رحمه الله- يقول: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا، فإخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا".
3- فضائل المتحابين في الله:
- تغفر ذنوبهم بالحب في الله؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر) (رواه البزار، وقال الألباني: صحيح لغيره).
- يغبطهم الأنبياء والشهداء؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ
يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ
عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا
فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لاَ
يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ
النَّاسُ. وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- هم أهل محبة الله في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ
رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ
عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ
تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ
لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ غَيْرَ أَنِّي
أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) (رواه مسلم)، وقال -عز وجل- في الحديث القدسي: (وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِىَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِىَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِىَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِىَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
- ينالون بها الجنة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ
عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ
طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- وهذا كله فيمن يحب وربما لم يخبر صاحبه، فكيف إذا أخبره؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
4- وسائل لتعميق الأخوة والمحبة في الله:
- أن يخبر أخاه أنه يحبه؛
عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله
عليه وسلم- فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
لأُحِبُّ هَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَعْلَمْتَهُ؟) قَالَ: لاَ. قال: (أَعْلِمْهُ). قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
- أن يطلق وجهه عند اللقاء؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) (رواه مسلم).
- أن يكون في عونه في كل الأحوال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ
نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ
عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى
مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ
سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ
فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ) (رواه مسلم).
- أن يؤدي له حقوق الأخوة في الله.
وسيأتي الحديث عليها في الخطبة القادمة -إن شاء الله-.