:2007:
حديث السبعة (2).. الإمام العادل (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة تمهيدية للإمام العادل:
- هو السلطان العدل في نفسه، العادل في حكمه، الذي يقيم دين الله في الأرض؛ إذ هو حق الله عليه إذ مكنه، قال الله -تعالى- لنبيٍّ حاكم: (يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ)(ص:26).
- يحفظ للرعية دينهم ودنياهم، قال -تعالى-: (الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج:41).
- بصلاحه تصلح الأمة،
قال الثوري -رحمه الله-: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت
الأمة: السلطان والعلماء"، وقال الليث: "من رأس العين يأتي الكدر، فإذا
صفا رأس العين صفت السواقي"؛ ولذا كان الإمام أحمد يقول: "لو كانت لي دعوة
مستجابة لجعلتها للسلطان؛ لأنه بصلاحه صلاح الأمة".
- ومتى لم يُقم دين الله في الأرض، وحكم بغير شرعه، أو أمر بمعصية؛ فلا سمع ولا طاعة، إلا أن يأمر بالمعروف فتكون الطاعة حينئذٍ لله على الحقيقة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِق) رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود -رضي الله عنه-: (لَيْسَ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ طَاعَةٌ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ) قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقال أحد الأمراء لأحد التابعين: "أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)؟"، فقال له: "أليس قد نـُزعت عنكم -يعني الطاعة- إذا خالفتم الحق بقوله: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)؟". فتح الباري.
وقال الشوكاني -رحمه الله-: "وأولو الأمر: هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كان له ولاية شرعية، لا ولاية طاغوتية". فتح القدير.
1- مكانته وتعظيم الشرع لذلك:
- أمر الله بطاعته، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء:59).
- أمر الله بتوقيره وإجلاله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أجلَّ سلطان الله أجله الله يوم القيامة) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
- دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه مسلم.
- جعل الله له دعوة مستجابة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيرًا والمظلوم والإمام المقسط) رواه البيهقي، وحسنه الألباني.
- ورغبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا
أُخْبِرُكم بِخِيارِ أُمَرَائِكُم وَشِرَارِهم؟ خيَارُهم: الذين
تُحِبُّونَهم، ويُحِبُّونَكُم، وَتَدْعُونَ لَهُمْ ويَدْعُونَ لَكُمْ،
وشِرَارُ أُمَرائِكم: الذين تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكم،
وَتَلْعَنُونَهُمْ، ويَلْعَنُونَكُمْ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
2- عظم مسئولية الإمام:
- عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنْ
شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنِ الإِمَارَةِ وَمَا هِيَ؟ فَقُمْتُ
فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ أَوَّلُهَا مَلامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وثَالِثُهَا عَذَابٌ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ عَدَلَ) رواه البزار والطبراني، وحسنه الألباني.
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّكُمْ
سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ) رواه البخاري.
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ
اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ
ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح، ولذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للبعير الأجرب من إبل الصدقة وهو يطليه ويداويه: "إني أخاف أن أسأل عنك يوم القيامة".
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا
مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ أَتَى
اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- مَغْلُولاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى
عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ
وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا خِزْىٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أحمد، وحسنه الألباني.
-
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تأخذه الإغفاءة من النوم في المجلس
مرات، فقيل له: فقال: لو نمت بالليل ضاعت نفسي، ولو نمت بالنهار ضاع
الناس، وكان كثيرًا ما يدور في المدينة ليلاً يتفقد أحوال الناس وقصصه في
ذلك معروفة، ومن أشهر ذلك: (قصة الرضيع الباكي في عام الرمادة - قصة بائعة
اللبن - قصة حراسته أموال التجار الوافدين ليلاً).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا رَاعٍ غَشَّ رَعِيَّتَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ) أخرجه ابن عساكر وأبو عوانة والطبراني، وصححه الألباني.
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.
-
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع عظيم عدله يقول يوم موته: "الحمد لله
الذي لم يجعل قاتلي من المسلمين، ضعوا خدي على الأرض لعل الله يرحمني".
3- جزاء الإمام العادل:
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم.
- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَ... ) رواه مسلم.
- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَ... ) متفق عليه، فذكره في أول السبعة.
4- ما جاء في الترهيب من الإمارة:
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاَثَةٌ
لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَ
وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ
كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) رواه مسلم.
- وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (قُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ
عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا
أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ
أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم.
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ
تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ
وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ
عَلَيْهَا) متفق عليه.
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا
بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِىٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلاَّ
كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ
عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى) رواه البخاري.
فاللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، وقيض لهم البطانة الصالحة، والحمد لله رب العالمين.