ما أشبه قصة التركستان الشرقية بقصة فلسطين!!
قضية فلسطين هي قضية أرض إسلامية تُسرق من أصحابها، وكذلك التركستان..
وهي قضية مسلمين تُنتهك حرماتهم وتَزْهَق أرواحُهم، وكذلك التركستان..
وهي قضية تزوير للتاريخ وتشويه للحقائق، وكذلك التركستان..
وهي قضية مواجهة مع أشد الناس عداوةً للمؤمنين (مواجهة اليهود)، وكذلك التركستان (مواجهة الذين أشركوا).
وقد أُعلنت دولة اليهود في فلسطين سنة 1948م، وأُعلنت دولة الصين بالتركستان سنة 1949م!!
ما أشبه القضيتيْن!!، وما أشد أهميتهما!
نعم ليس في التركستان مسجد أقصى، وليست مهد الأنبياء، ولكنها أرض إسلامية تُنتهك، ومؤمنون يُفتنون عن دينهم، وثروات هائلة تُبدَّد، وكرامة إسلامية تُستباح.
إن القضية جِدُّ خطيرة، ولا نُعذر فيها بجهلنا، إنما سهونا عنها بسبب غفلتنا، وقلة اهتمامنا بشئون أمتنا، وعدم إدراكنا لأدوارنا، وعدم معرفتنا بحرمة المسلمين، سواءٌ كانوا عربًا أم عجمًا، بعيدين أم قريبين، نعرفهم أو لا نعرفهم.
إن جُلَّ المسلمين يعرفون عن تاريخ الفن والرياضة أكثر مما يعرفون عن تاريخ التركستان، أو غيرها من قضايا المسلمين المنسيَّة، فإذا كنا نفتقر أصلاً إلى المعلومة، فكيف يمكن أن نسعى إلى الحلول؟!
إن المطالعين لهذا المقال سيُطالبون ببرنامج عمليّ لنصرة التركستان، وأنا أقول: إن أول الطريق أن تتشبَّع بحبِّ الأمة الإسلامية، وأن تعشق كل من ينتمي إليها، وأن تحزن لمُصَابها، وأن تتألم لانتهاك حُرُماتها، وأن تشعر -دون تكلف- أنك عضو في جسد كبير، إذا اشتكى أحد أعضائه تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَرِ. وبدون هذه العاطفة تصبح كل الحلول نظرية، وبدون هذا الحب لن نرى الطريق، ولو كان واضحًا وضوح الشمس.
لقد تحدثنا في مقالنا السابق، وكان تحت عنوان (قصة الإسلام في الصين)، عن تاريخ أرض التركستان الشرقية، وعرفنا أنها إسلامية منذ القرن الهجري الأول، ورأينا كيف تعاقبت عليها الحكومات المغولية والصينية، ولم يغيِّر كل ذلك من طبيعة الأمور؛ فالأرض التي حُكمت بالإسلام يومًا ما هي أرضٌ إسلامية يجب على المسلمين أن يحرِّروها، وجوبَ الصلاة والزكاة، ولو أتى ذلك على كل ما يملكون من نفسٍ ومال، وعلى هذا أجمع فقهاء الأمة بدون خلاف.
ووصلنا في مقالنا السابق إلى الغزو الشيوعي الكارثي الذي حدث للتركستان الشرقية في سنة 1949م، وكلنا يعرف طبيعة الشيوعيين الدموية، ورأيناها في سلوك السوفييت واليوغسلاف، ولم يختلف عنهم الصينيون لا في قليلٍ ولا في كثير.. إنها نفس العاطفة المتأجِّجة بالشر، الكارهة للبشر، المدمِّرة لما حولها.. إنهم قوم لم يدركوا أن للكون خالقًا، فكيف يُنتظر منهم غيرُ ما يفعلون؟!
القمع الشيوعي الدموي:
لقد مارس الشيوعيون الصينيون قمعهم بأعتى صوره في الصين بكاملها، وفي التركستان الشرقية على وجه الخصوص، وبينما قتل "ماو تسي تونج" ثمانمائة ألف إنسان في السنوات الثلاث الأولى من حكمه للصين، فإنه قتل من التركستان وحدها مائة ألف مسلم ومسلمة، وهذا رقم هائل بالقياس إلى عدد المسلمين القليل نسبيًّا.
لقد تعامل الصينيون بالحديد والنار مع ملف التركستان، ولم تكن هناك أي محاولة للتفاهم مع الشعب المسلم، ومع أنهم تظاهروا بإعطاء حكم ذاتي لمنطقة التركستان إلا أن هذا كان أمرًا نظريًّا لا وجود له على أرض الواقع أبدًا، بل يا ليتهم تقاسموا خير البلدة مع أهلها، ولكنهم استأثروا به كاملاً، وتركوا الشعب المسلم فقيرًا مسكينًا مضطهَدًا.
أسباب تمسك الصين بتركستان الإسلامية:
ولعلّ سائلاً يسأل: لماذا تتمسك الصين -مع كل إمكانياتها الجبارة وقدراتها البالغة- بهذا الإقليم الإسلامي؟، وما قيمة هذه القطعة من الأرض التي لم يسمع عنها أصلاً كثيرٌ من المسلمين؟!
إنّ التركستان الشرقية من الأهمية بمكان بالنسبة للصين، ودعونا نفصِّل في هذه النقطة قليلاً؛ حتى ندرك حجم المشكلة، وبالتالي نرفع من درجة تعاطفنا مع أهلنا هناك..
أولاً: هذه ليست بالأرض القليلة؛ فمساحتها 1.6 مليون كيلو متر مربع أي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وكذلك ثلاثة أضعاف العراق، وستين ضعف دولة فلسطين! وهي تمثل 17% من مساحة الصين الإجمالية؛ فالصين لن تتنازل بسهولة عن جزءٍ يمثِّل أكثر من سُدسها.
ثانيًا: الكثافة السكانية بدولة التركستان الشرقية قليلة جدًّا، فبعد كل التهجير الذي تقوم به الصين إلى التركستان فإنّ مجموع سكان التركستان في إحصاء 2008م يبلغ 20 مليون فرد، وهذا يعطي كثافة سكانية قدرها 12.5 فرد في كل كيلو متر مربع، بينما الكثافة السكانية في الصين نفسها عالية جدًّا تصل إلى 165 فردًا في كل كيلو متر مربع، حيث بلغ تعداد الصين في سنة 2008م إلى أكثر من 1.3 مليار فرد، فضلاً عن أن الصين تحتل إقليم التبت كذلك، والذي تبلغ مساحته 1.2 مليون كم مربع، ويسكنه ثلاثة ملايين فقط، فإذا أخرجناه من المعادلة صارت كثافة السكان في الصين الأصلية أكثر من 193 فرد في الكيلو متر المربع الواحد، وهي كثافة ضخمة؛ وهذا يدفع الصين للتمسك بإقليم التركستان الشرقية لترفع الضغط السكاني عن بلادها، خاصةً مع اعتبار دفء الطقس في التركستان خلافًا للبرودة القارسة في إقليم التبت المحتل كذلك، وهذا ما تقوم به الصين فعلاً في الثلاثين سنة الأخيرة.