فكيف
إذا أضيف إلى هذه المهمـّة الشاقّـة ـ وفي نفس الوقت ـ سعي حماس لصناعة
مشروع التغيير الإسلامي الشامـل في غـزّة ، بحيث يبقى شعبها الجائع ،
المحاصر ، محافظاً على المقاومة ، ومتقبـِّلا لمشروع الحكـم الإسلامي ؟!!
أفلاَ يسعهم ما وسع الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، كما نقل عن الذهبي في تاريخه ، عن
ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول : ( لو أقمت فيكم خمسين عاما
ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألاَّ
تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ، فإن أنكرت قلوبهم هـذا ،
سكنت إلى هذا ) تاريخ الذهبي 4/170
وفي البداية والنهاية ( وإني لأريد الأمر ، فما أنفذه إلاَّ مع طمع من الدنيا ، حتى تسكن قلوبهم ) 9/200
،
وإنّ هؤلاء المتعجّلين يريدون أن تقيم حماس في يوم ما يعجز عنه عمر بن عبدالعزيز في خمسين عاما !
،
ألا
فدعوهم ـ ويحكم ـ وما تأوَّلوه فيما تحملـُّوه ، من النقلة بالناس شيئا
فشيئا إلى سماحـة الإسلام ، وكفـُّوا عن القوم ماداموا في وجاهة أشـدّ
الناس عداوةً للذين آمنـوا ، فوالله إنَّ الذين يرمون سهامهم على حماس ،
لايقدرون على إنجاز عشر معشار ما أنجزوه حتى الآن ، في ظلِّ ظروفهـم .
فما
أسهل أن تتكئ على أريكتك منتقداً قوما محاصريـن ، تكالب عليهم الأعداء من
كلِّ حدب وصوب ، فأسراهم بالآلاف ، وقتلاهم مثلهم ، وكلَّ يوم يُزفّ عليهم
نبأ شيخ قتيل تحت تعذيب أزلام دايتون ، أو أسير في يد الصهاينة ، أو غارة
صهيونية عليهم ، ما أسهل أن تفعل هذا وتنسى ما هم فيه من البلاء العظيم !
أما
جند أنصار الله ، فندعو حماس إلى القيام بواجب الراعـي المشفق على رعيّته
، لا العـدوّ الممعن العداوة ! ففي الحديث : ( شـرُّ الرّعاء الحطمة ) ،
والله تعالى سيسأل عن دماءهم ، كما لا يصح البتـّة تشويه سمعتهـم ،
فحتـَّى أهل الجاهلية كانوا يكفـُّون عن مثـل هذا ، فكيف ونحن ندعو إلى
الخلـق الإسلامي !
وإذا
ملكت فأسجـح ، والبغي من ذي السلطة أقبح ، فإن أراد به أن يحسَّن صورته
،فسينقلب عليه شينـاً في أعين الناس ، وتلك ـ والله ـ سنة الله ،
لايعاجزها أحدٌ إلاّ هـوى .
كما
يجـب عليها أن تأخذ المخالفين لها من السلفيين ، وجماعة الجهـاد ، وغيـرها
بالرفق ، واللين ، والأخوة الإيمانية ، وتعامل الجماعات الأخرى بالحُسـنى ،
وأن
تدع للناس مراحـا يستريحون فيه في دعوتهـم على إختلاف مشاربهم ، فإنـَّه
ما ضيَّق أحـدٌ واسعـا إلاّ ضيّق الله عليه ، وما شقّ راعٍ على رعية إلاَّ
شقَّ الله عليه .
وأن
تراعي تعطش الشباب للجهـاد ، لاسيمـا في ظـلِّ ما يقع على الأمـّة من
مصائب ، وأن تسلك معهم سبيل الحوار ، لإقناعهم بالإبتعاد عن الشذوذ ،
والغلوّ ، الذي انتشر في بعض ساحات الجهاد الأخرى ، فإنَّ سبيل العنف في
حـلّ هذه المعضلة سيزيدها أوار نارِهـا .
ولهذا
أقـترح أن يتمَّ تشكل لجنة من العلماء من داخل فلسطين وخارجها ، في مساع
حميـدة لطيّ صفحة ما جرى من الفتنة ، وإخراج كلِّ الشباب من السجون ،
ومعالجة الجراح ، وأن يُودى القتلى ، ويُدعى لهم ، ليفضي الناس بعد نزغ
الشيطان ، إلى رحابة الأخـوّة ، وبعد صورة الدماء ، إلى سلامة الصدور ،
لتتحد البنادق كلُّها نحو العدوّ ، وليخسأ دعاة الفتـنة ، ويرتد كيدُهم في
نحورهـم ، ويأوي الناس إلى جماعة ورحمة ، قبل أن تأخذهـم سيوف فتنة ، لا
يفيقون بعدها إلاّ في أحضان بني صهـيون.
والله حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيــر.