لا يمكن أن نضع اللاعب المصري
نفسه بمنأىً عما يحدث، فكما أنه المسؤول الأول عن النتائج المبهرة مثل
الفوز الساحق على منتخب كوت ديفوار برباعية وهزيمة أبطال العالم، فهو
أيضاً عليه مسؤولية مباشرة عن السقوط المدوي أمام الجزائر ودخول مرماه
ثلاثة أهداف في عشر دقائق فقط. والحقيقة أن اللاعب المصري الذي يمتاز
بالروح القتالية العالية والأداء الجماعي المتميز والمهارات الفردية
الرائعة، يتسم أيضاً بأنه قليل الطموح يكتفي بأي إنجاز يحققه ولا يطمح
لتحقيق المزيد.
ولنتذكر كيف أن مهاجم يتميز
بإمكانيات مذهلة مثل عمرو زكي أبهر العالم في الدوري الإنكليزي أحد أقوى
وأعنف وأهم بطولات الدوري الأوروبية وسجل عشرة أهداف في شهرين تقريباً
وتفوق على مهاجمين متميزين وكبار مثل أنيلكا وروبي كين وتيفيز وتوريس بل
وكريستيانو رونالدو أفضل لاعب في العالم، ثم توارى واختفى فجأة وتفرغ
للمشاكل بينه وبين ستيف بروس مدربه في ويغان، وكيف أنه وبعد أن تغنت باسمه
جماهير ويغان وأصبحت تحمل الأعلام المصرية خصيصاً تشجيعاً له أصبح يتلكأ
في العودة من مصر عند ذهابه للالتحاق بمعسكرات المنتخب المصري حتى قال عنه
بروس أنه أسوأ لاعب دربه في حياته، وبعد أن كان مسؤولو ويغان يسعون بشتى
الطرق لشراء عقد زكي نهائياً في نصف الموسم الماضي، أعلنوا من تلقاء نفسهم
أن زكي سيغادر الفريق وأنهم لن يجددوا استعارته على الرغم من أنه هداف
الفريق الموسم الماضي.
مثال آخر غريب ربما لا يتكرر
ثانية على مستوى لاعبي العالم، وهو لاعب الوسط المدافع حسني عبد ربه الذي
تألق بشدة في بطولة الأمم الأفريقية الماضية وحصل على لقب أفضل لاعب في
البطولة متفوقاً على الغانيان إيسين ومونتاري والنيجيري أوبي ميكيل
والإيفواريون دروغبا ويايا تورى وكالو، وبدلاً من أن يساعده ذلك على
الاحتراف في أهم وأقوى الدوريات العالمية وجدناه يترك كل ذلك ويتفرغ
لمشكلة محلية غريبة وهي الاحتراف في الأهلي المصري أو البقاء في ناديه
الفرنسي ستراسبورغ أو الذهاب إلى ناديه الأصلي الاسماعيلي وهي مشكلة جمدت
اللاعب تقريباً لعدة أشهر وأخرجته عن تركيزه تماماً وجعلته يقنع باللعب في
صفوف أهلي دبي الإماراتي، وهو النادي الوحيد الذي تقدم بعرض رسمي لضمه بعد
أن امتنعت تقريباً جميع الفرق الأوروبية عن تقديم عرض حقيقي للاعب
للاحتراف في صفوفها خوفاً من أن يتركها فجأة تماماً مثلما ترك ناديه
الفرنسي.
مشاكل فنية
وكما أن حسن شحاتة المدير
الفني للمنتخب المصري هو صاحب الإنجازات الرائعة التي لم تحدث من قبل في
تاريخ المنتخب المصري، فهو أيضاً مسؤول مسؤولية مباشرة عن النتائج السيئة
للمصريين في الفترة الأخيرة.
فالمشاهد لجميع مباريات
الفراعنة تحت قيادة شحاتة بداية من كأس الأمم الأفريقية عام 2008 وحتى
الآن، يجد أمراً بالغ الغرابة فالمنتخب المصري يجيد اللعب والتألق عندما
يواجه منتخبات كبيرة متفوقة عليه، أو عندما يكون في موقف بالغ الصعوبة،
يتطلب منه اللعب بحرص دفاعي أو بتشكيل يعتمد على الانكماش الدفاعي الصريح
ثم الانطلاق بهجمات مباغتة. أما عندما يواجه الفراعنة منتخبات منخفضة
المستوى أو قليلة الخبرة فإن مستوى المصريين ينخفض تماماً، ويقل تركيزهم
لدرجة تجعل منافسيهم هم الأفضل والأكثر سيطرة على مجريات المباراة.
وبالتأكيد فإن الجهاز الفني
للمنتخب المصري مسؤول مسؤولية مباشرة عن هذه المشكلة، فإما أنه لا ينجح في
توفير الإعداد النفسي في الأوقات التي يشعر فيها اللاعبون بالأفضلية
وبأنهم سيحققون فوزاً منطقياً، وإما أنه لا يختار اللاعبين المناسبين أو
الخطة المناسبة للتعامل مع المباريات السهلة أو المباريات التي ينبغي أن
يحقق فيها الفراعنة الفوز بعدد وافر من الأهداف.
ففي نظرة إحصائية لمباريات
المنتخب المصري منذ عام 2008 وحتى الآن نجد أن الفراعنة لعبوا 18 مباراة
رسمية فازوا في 12 مباراة وخسروا أربع مباريات وتعادلوا في مباراتين.
وأحرز لاعبو مصر 37 هدفا
بمتوسط 2.05 هدف في المباراة الواحدة بينما دخل مرماهم 18 هدفا، وأكبر فوز
حققه المنتخب المصري في تلك الفترة كان على الكاميرون (4-2) وكوت ديفوار
(4-1) في أمم أفريقيا الماضية وجيبوتي ذهاباً في الدور الثاني من تصفيات
المونديال (4-0) وجيبوتي إياباً (4-0)، ثم على رواندا (3-0)، أما أقصى
هزيمة فكانت من الجزائر (1-3)، ومن أميركا في كأس القارات (0-3)، أما أغرب
هزيمة فكانت أمام مالاوي في تصفيات المونديال (0-1).
والمدقق في أحوال المنتخب
المصري يجد أن أحفاد الفراعنة أجادوا اللعب في الفترة الماضية أمام
المنتخبات الكبيرة مثل الكاميرون وكوت ديفوار والبرازيل وإيطاليا، وذلك
بطريقة لعب تعتمد على الانكماش الدفاعي المنظم وعلى لاعبين يجيدون
الاستحواذ على الكرة ثم ينطلقون عقب ذلك مباشرة بهجمات سريعة خاطفة، وهي
طريقة نجحت في إحراز هدفين في الكاميرون وثلاثة أهداف في كوت ديفوار وهدف
في أنغولا وثلاثة أهداف في البرازيل إضافة إلى هدف في الكونغو الديمقراطية
في المباراة المصيرية التي كان يلعبها المنتخب المصري خارج ملعبه في
التصفيات التمهيدية وكان بحاجه للفوز لضمان تأهله إلى الدور الثاني من
التصفيات.
أما في المباريات التي أداها
المنتخب المصري، وهو يمتلك أفضلية نسبية سواء في قدرات اللاعبين أو
التاريخ أو الموقف العام داخل البطولة أو في التصفيات، وهي المباريات التي
لعبتها مصر أمام السودان وزامبيا وأنغولا في تصفيات كأس الأمم وأمام
مالاوي ذهاباً وإياباً والكونغو ذهاباً وجيبوتي ذهاباً وإياباً في
التصفيات التمهيدية المؤهلة للمونديال، أو أمام زامبيا ورواندا في
التصفيات النهائية المؤهلة للمونديال أو أمام أميركا في كأس العالم
للقارات، وهي مباريات لعب فيها المصريون بمهاجمين صريحين وخلفهما صانعي
ألعاب، واعتمدوا على الهجوم المنظم بدلاً من الهجمات الخاطفة فلم ينجح
المنتخب المصري في أغلب تلك المباريات؛ حيث تعادل مع زامبيا مرتين (1-1)
وخسر من أميركا (0-3) ومن مالاوي (0-1) وفاز بشق الأنفس على رواندا
بثلاثية نظيفة علماً بأن الهدف الأول جاء في الدقيقة 67، وهو ما يعني أن
خللاًً واضحاً يحدث في أداء اللاعبين عندما يشعرون أنهم الأفضل أو أن
المطلوب منهم في المقام الأول الفوز بالمباراة أو إحراز الأهداف.
زد على ذلك أن المنتخب المصري
لا يمتلك البديل المناسب في معظم المراكز وخاصة الدفاعية، ففي الجانب
الأيسر على سبيل المثال يبدو أحمد سمير فرج بعيد كل البعد عن تعويض غياب
سيد معوض في حال إصابته أو إيقافه كذلك في الجانب الأيمن الذي يعاني
كثيراً عند غياب أحمد فتحي.
أما مركز لاعبي الارتكاز فلا
يوجد فيه أي بديل لحسني عبد ربه أو محمد شوقي. ويكفي أن نعلم أنه عند
غياب أي من اللاعبين يضطر شحاتة إلى الدفع بأحمد فتحي الظهير الأيمن في
مركز الارتكاز.
وتتجسد المشكلة الحقيقية لدى
المنتخب المصري في قلبي الدفاع؛ حيث لا يوجد حتى الآن أي بديل للمدافع
الصلب وائل جمعة (34 عاماً)، ونفس الشئ مع الظهير الحر هاني سعيد (30
عاماً).
وبالذهاب إلى مركز حراسة
المرمى نجد أنه على الرغم من أن عمر حارس مرمى المنتخب المصري عصام الحضري
تجاوز الستة والثلاثون عاماً فإنه لا زال هو الحارس الأساسي وصمام الأمان
لمنتخب بلاده، ولم يفكر شحاتة حتى الآن في إيجاد البديل المناسب، بسبب
الفارق الكبير في المستوى والخبرة بينه وبين بقية الحراس المصريين.
أما المشكلة الفنية الواضحة في
المنتخب المصري فهي ضعف دفاعه بشكل واضح في التعامل مع الكرات العرضية؛
حتى أن الضربات الركنية والكرات الثابتة من الجانبية أصبحت تشكل خطورة على
مرمى المصريين وكأنها ضربات جزاء. ويكفي معرفة أن ما لا يقل عن عشرة أهداف
دخلت شباك المنتخب المصري في الفترة الأخيرة جاءت معظمها من كرات عرضية
فشل الدفاع وتباطأ في إبعادها، كما أن مدافعي المنتخب اتسم أداؤهم بالبطء
الشديد في كثير من المباريات وضعف الرقابة الفردية وهو ما بدا واضحاً في
مباراتي الجزائر وأميركا، بل كادت أن تتسبب في هدف قاتل لمنتخب رواندا في
المباراة الأخيرة للمصريين.
نقاط إيجابية